أسئلة و أجوبة

التوحيد

التوحيد

سؤال : قال الله تعالى:(لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا)(1)وقد استدل المتكلمون انطلاقاً من هذه الآية قديماً وحديثاً على التوحيد وذلك لأننا لا نرى في الكون فساداً بل نظاماً وانسجاماً فإذا بطل اللازم وهو الفساد بطل الملزوم وهو تعدّد الآلهة فثبت التوحيد.
أقول: ما المانع من وجود إلهين اثنين واجبي الوجود بينهما تمام الاتفاق والمسالمة بحيث أنهما يديران هذا الكون بالتنسيق مع بعضهما البعض من دون أن يقع أي تناف بينهما حتى يؤدي إلى ظهور الفساد؟
ملاحظة : نحن لا ننكر وجود أدلة اُخرى كثيرة على التوحيد ولكنّنا نتسائل أنه ما الوجه في استدلاله تعالى بهذا النمط من الأدلة في كتابه الكريم على وحدانيّته مع وجود ما هو أصرح وأوضح ؟
الجواب : الآية الكريمة إشارة إلى دليل التمانع الذي أقامه المتكلمون على مسألة التوحيد إذ لو كان مع الله تعالى إله آخر وجب أن يكون كلاهما قادرين عالمين حيّين حكيمين ومن آثار القدرة أن يصح افتراض كون أحدهما مريداً لضدّ ما يريده الآخر من إماتة وإحياء أو تحريك أو تسكين ونحو ذلك فلا يخلو إما أن يحصل مرادهما وهو محال اجتماع النقيضين وإما أن لا يحصل مرادهما فيلزم عدم قدرتهما وإما أن يقع مراد أحدهما دون الآخر فلا يكون الآخر قادراً، فالنتيجة أنه لا يمكن أن يكون إلاّ إله واحد.
ولو قيل أنهما لا يتمانعان لأن ما يريده أحدهما يكون حكمة فيريده الآخر بعينه فالجواب أن مجرّد فرض التمانع بين الإلهين يكفي في إثبات التوحيد سواء وقع التمانع أم لم يقع بأن اتفقا على كلّ شىء وذلك لأن افتراض إلهين مدبّرين قادرين يستلزم إمكان افتراض أن يريد أحدهما منه ما يريده الآخر فيلزم ما ذكرناه من عدم قدرتهما أو عدم قدرة أحدهما وكلاهما محال فافتراض تعدّد الآلهة محال سواء اتفقوا في الصنع والتدبير أم اختلفوا وإلى ذلك تشير الآية الكريمة (و ما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق) (2) .
ويمكن الجواب عن أصل الإشكال بأن الآية بصدد بيان أمر عرفي غالبي، فإن المدير والمدبّر لأي نظام في هذا الكون إذا تعدّد يحصل التضاد والاختلاف غالباً ولا يحصل الاتفاق في النظر والتدبير ولذا يحصل الفساد من جهة هذا الاختلاف وهذا أمر وجداني نراه بوضوح فيما إذا تعدّد الحاكم والسلطان فإنه يحصل النزاع في تدبير المملكة وينشأ منه الفساد، فالآية تشير إلى هذا الأمر الغالبي الذي يقع في الخارج غالباً وأما احتمال اتفاِ الآلهة والمدبّرين في التدبير فهو احتمال ضعيف ملغى عرفاً وإن كان محتملاً عقلاً.
—————–
1 – الانبياء : 22
2 – المؤمنون : 91

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *