المقالات

من سيرة علي الأكبر (ع) إبن الإمام الحسين(ع)

كان ( عليه السلام ) من أصبحِ الناس وجهاً ، وأحسنِهِم خُلُقاً ، وروي أنّه كان يشبه جَدّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في المنطق والخَلق والخُلق.
من سيرة علي الأكبر (ع) إبن الإمام الحسين(ع)

ولادته :

ولد علي الأكبر ( عليه السلام ) يوم الحادي عشر من شعبان عام 33 هـ ، وأبوه الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وأمّه لَيلى بنت أبي مُرَّة بن عروة بن مسعود الثقفي .

ولكن ذكر بعض المؤرخين وعلماء الانساب ان ولادته كانت قبل ذلك. بحدود عشرة اعوام وانه ادرك جده الامير (عليه السلام) وروى عنه عدة روايات، وقد احتمل بعض العلماء ان القول ناتج من الاشتباه بينه وبين اخيه الامام زين العابدين (عليه السلام)؛ الذي هو اكبر ولد الحسين.

كنيته :

جاء في زيارة علي الأكبر المروية عن أبي حمزة الثمالي أن الإمام الصادق عليه السلام قال له:
(ضع خدّك على القبر وقل:
صلّى الله عليك يا أبا الحسن ثلاثا).
ويحتمل أن تكون الكنية للتفاؤل بالولد الحسن، يحتمل أنها صدرت بعد أن كان له ولد سمّي (الحسن)، والإمام الصادق في نفس الزيارة يقول أيضا:
(صلّى الله عليك وعلى عترتك وأهل بيتك وآبائك وأبنائك وأمّهاتك الأخيار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا).
ولفظ الأبناء جمع يدلّ على ان لعلي الأكبر عليه السلام أكثر من الولدين الاثنين.
كما أن قوله عليه السلام (وعلى عترتك) دالّ عليه أيضا فإن عترة الرجل ذريته فلو لم يكن له ذرية لما صحّ استعمال هذا اللفظ وورود هذه الجملة في لسان الإمام العارف بخواص البلاغة ومقتضيات الأحوال أقوى برهان.
وغير خافٍ أن هذه الرواية رواها الشيخ الجليل ابن قولويه في (كامل الزيارة) بسند صحيح ورجال ثقات.

ألقابه:

لقّب السيد الشهيد (بالأكبر) لكونه أكبر من الإمام زين العابدين وقد صرّح بذلك السجاد عليه السلام حين قال له ابن زياد: أليس قتل الله عليّا؟ فقال الإمام: كان أخ أكبر مني، يسمّى عليا فقتلتموه.
ولقد وصف السجاد بالأصغر والشهيد بالأكبر جماعة من المؤرخين منهم:
1 ـــ قال ابن قتيبة في المعارف ص 93: ولد الحسين عليا الأكبر أمّه بنت أبي مرّة وعليا الأصغر أمه أم ولد. وفي ص 94 قال: وأما علي بن الحسين الأصغر فليس له عقب إلا منه.
2 ـــ قال الدينوري في الأخبار الطوال ص 256: لم ينج من أصحاب الحسين وولده وولد أخيه إلا ابنه علي الأصغر.
3 ـــ قال السهيلي في الروض الأنف ج 2، ص 326: قتل معه بالطف علي الأكبر وأما علي الأصغر لم يقتل معه، أمّه أم ولد اسمها سلافة بنت كسرى يزدجرد.

ويحدث الشيخ الجليل الشيخ فخر الدين الطريحي في المنتخب أن الحسين قال في حق الرضيع: اللهم أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسول الله محمد عليه السلام.
وهذه الشواهد كلها لا تدل على مشابهة العترة الطاهرة للرسول في جميع الصفات الكريمة.
لكن كلمة الحسين الذهبية في حق ولده الأكبر:
اللهم اشهد أنه برز إليهم أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقا برسولك وكنا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إليه) ترشدنا إلى أن فقيد بيت النبوة كان في وقته مرآة الجمال النبوي وانموذجا من منطقه البليغ الرائع، حتى أن أباه عليه السلام إذا اشتاق إلى رؤية ذلك المحيا الأبهج الذي يقول فيه حسان مصرحا بالحقيقة غير مبالغ:
وأحسن منك لم تر قط عيني
وأجمل منك لم تلد النساء
خلقـــت مبــــــرأً عـــــن كـــل عيب
كأنـــــك قد خلقت كما تشاء
صفاته وسيرته :

إن من مكارم الأخلاق أن يتحلى المرء بالصفات الحميدة ويتخلى من العادات الذميمة وهذه الأخلاق سواء أكانت حميدة أم ذميمة يكتسبها المرء وراثيا، وبيتيا، ومجتمعا. وشرائع السماء التي بعثها الله سبحانه وتعالى لخلقه عن طريق رسله وأنبيائه كلها تدعو إلى مكارم الأخلاق، لا سيما رسالة سيد الأنبياء ورسله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: صلى الله عليه وآله وسلم إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق فهو يريد أن يجعل حياة البشرية كلها حياة هانئة رغيدة خالدة، لا تبيدها الحقب والأعوام لأن رسالته خاتمة الرسالات.
وعلي الأكبر عليه السلام هو ربيب ذلك البيت الطاهر الذي هو خلاصة الوجود من طيب الأرومة ومكارم الأخلاق، من حلم، وعلم، وشجاعة، وكرم، وتواضع، وبلاغة. وما إلى ذلك من المكارم التي ليس من العجيب ان يرثها عن آبائه.

شبهه عليه السلام بجده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم
لم ينص المؤرخون على مشابهة آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم له في جميع الصفات إلا في ولده الأكبر.
فعن جابر الأنصاري أن فاطمة الزهراء عليها السلام تشبه أباها في المشية.
ورواية الصدوق تشهد بأن الحسن شابه جده في الهيبة والسؤدد والحسين في الجود والشجاعة، وأخرج الحاكم النيسابوري عن علي عليه السلام: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لجعفر الطيار: أشبهت خلقي وخلقي.
كان ( عليه السلام ) من أصبحِ الناس وجهاً ، وأحسنِهِم خُلُقاً ، وروي أنّه كان يشبه جَدّه رسول الله( صلى الله عليه وآله ) في المنطق والخَلق والخُلق .

ورَوى الحديث عن جَدِّه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وهو صغير السنِّ ، مِمَّا يدل على تعلّقه بالعلم والكمال منذ الصغر .

شجاعته :

روي أنّه : لما ارتحلَ الإمام الحسين( عليه السلام ) من قصر بني مقاتل خفق وهو على ظهر فرسه خفقة ، ثمّ انتبه ( عليه السلام ) وهو يقول : ( إنَّا للهِ وإنَّا إليهِ راجِعُون ، والحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمين ) ، كَرَّرها مرَّتين أو ثلاثاً .

فأقبل ابنه علي الأكبر ( عليه السلام ) فقال : ( ممَّ حمدْتَ الله واسترجَعْتَ ؟) .

فقال الحسين ( عليه السلام ) : ( يا بُنَي ، إنِّي خفقتُ خفقة فعنَّ لي فارس على فرس ، وهو يقول : القوم يسيرون ، والمنايا تسير إليهم ، فعلمت أنّها أنفسنا نُعِيَت إلينا ) .

فقال علي الأكبر ( عليه السلام ) : ( يا أبَه ، لا أراك الله سوءً ، ألَسْنَا على الحق ؟ .)

فقال ( عليه السلام ) : ( بَلَى والذي إليه مَرجِع العباد ) .

فقال علي الأكبر ( عليه السلام ) : ( فإننا إذَنْ لا نُبالي أن نموت مُحقِّين) .

فقال له الإمام الحسين ( عليه السلام ) : ( جَزَاك اللهُ مِن وَلدٍ خَير مَا جَزَى وَلَداً عن والِدِه ) .

وفي الرواية السابقة دلالة على جلالة قدر علي الأكبر ( عليه السلام ) ، وحسن بصيرته ، وشجاعته ، ورَباطَةِ جأشه ، وشدّة معرفته بالله تعالى .

وقد مدحته الشعراء ، فيقول أبو الفرج الإصفهاني : إنّ هذه الأبيات قِيلَت في علي الأكبر ( عليه السلام ):

لـم تَـرَ عَيـنٌ نَظَـرتْ مِثلـه ** من محتف يَمشـي ومِن نَاعِلِ

كـانَ إذا شــبَّت لَـهُ نــارُه ** وقَّدَهـا بالشَّــرفِ الكَامِـلِ

كَيْـما يراهَــا بائـسٌ مرمـلٌ ** أو فـرد حـيٍّ ليـسَ بالأهلِ

أعني ابن اليلى ذا السدى والنَّدى ** أعني ابن بنت الحسين الفاضل

لا يؤثِــرُ الدنيـا علـى دِينِـه ** ولا يبيـعُ الحَـقَّ بِالباطِــلِ

شهادته :

روي أنّه لم يبقَ مع الإمام الحسين ( عليه السلام ) يوم عاشوراء إلاَّ أهل بيته وخاصَّته .

فتقدّم علي الأكبر ( عليه السلام ) ، وكان على فرس له يدعى الجناح ، فاستأذن أبَاه ( عليه السلام ) في القتال فأذن له ، ثُمَّ نظر إليه نظرة آيِسٍ مِنه ، وأرخَى عينيه ، فَبَكى ثمّ قال : ( اللَّهُمَّ كُنْ أنتَ الشَّهيد عَليهم ، فَقد بَرَز إليهم غُلامٌ أشبهُ النَّاس خَلقاً وخُلقاً ومَنطِقاً برسولك.)

فشَدَّ عَليٌّ الأكبر ( عليه السلام ) عليهم وهو يقول :

أنَا عَليّ بن الحسين بن علي ** نحن وبيت الله أولَـى بِالنَّبي

تالله لا يَحكُمُ فينا ابنُ الدَّعي ** أضرِبُ بالسَّيفِ أحامِي عَن أبي

ضَربَ غُلام هَاشِميٍّ عَلوي

ثمّ يرجع إلى أبيه فيقول : ( يا أباه العطش !! ) .

فيقول له الحسين ( عليه السلام ) : ( اِصبِرْ حَبيبي ، فإنَّك لا تُمسِي حتّى يَسقيك رسولُ الله ( صلى الله عليه وآله ) بكأسه ) .

ففعل ذلك مِراراً ، فرآه منقذ العبدي وهو يشدُّ على الناس ، فاعترضه وطعنه فصُرِع ، واحتواه القوم فقطَّعوهُ بِسِيوفِهِم .

فجاء الحسين ( عليه السلام ) حتّى وقف عليه ، وقال : ( قَتَلَ اللهُ قوماً قتلوك يا بُنَي ، ما أجرأهُم على الرحمن ، وعلى انتهاك حرمة الرسول ) .

وانهمَلَتْ عيناه بالدموع ، ثمّ قال ( عليه السلام ) : ( عَلى الدُّنيا بَعدَك العفا) .

وقال لِفِتيانه : ( احملُوا أخَاكُم ) ، فحملوه من مصرعه ذلك ، ثمّ جاء به حتّى وضعه بين يدي فسْطَاطِهِ .

وروي أنّه كان أوّل قتيل مِن وِلد أبي طالب مع الحسين ( عليه السلام ) ابنه علي الأكبر ( عليه السلام ) .

قبره الطاهر عليه السلام
إذا نظرنا إلى فعل الإمام زين العابدين في وضع (علي الأكبر) قريبا من أبيه الحسين عليه السلام نعرف من ذلك الغرض الباعث له، وهو تعريف الناس وعلى مر العصور بما حواه علي الأكبر عليه السلام من مزايا جليلة وصفات فاضلة، وأنه أقرب من بقية الشهداء إلى المهيمن تعالى لما حواه من ملكات لا تدركها أحلام البشر.
قال الإمام الصادق عليه السلام لحماد البصري: (إن الحسين بن علي غريب مدفون بأرض غريبة يبكيه
ويحزن له من لم يزره ويحترق له من لم يشهده ويرحمه من نظر إلى قبر ابنه عند رجليه في أرض فلاة ولا حميم قربه ولا قريب ثم منع الحق وتوازر عليه أهل الردة حتى قتلوه وضيعوه وعرضوه للسباع ومنعوه شرب ماء الفرات الذي يشربه الكلاب وضيعوا حق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووصيته به وبأهل بيته فأمسى مجفواً في حفرته صريعا بين قرابته وشيعته بين أطباق الثرى قد أوحش قربه في الوحدة والبعد عن جده والمنزل الذي لا يأتيه إلا من امتحن الله قلبه للإيمان وعرفه حقنا. ولقد حدّثني أبي أنه لم يخل مكانه منذ قتل من مصلّ عليه من الملائكة أو من الجن والأنس أو من الوحش وما من شيء إلا ويغبط زائره ويتمسح به ويرجو في النظر إليه الخير لنظره إلى قبره.وإن الله ليباهي الملائكة بزائريه.وأما ما له عندنا فالترحم كل صباح ومساء. ولقد بلغني أن قوما من أهل الكوفة وناسا من غيرهم يأتونه في النصف من شعبان فبين قارئ يقرأ وقاص يقص ونادب يندب ونساء يندبنه وقائل يقول المراثي. فقال حماد: قد شهدت بعض ما تصف.قال الصادق (عليه السلام): الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا وجعل عدونا يطعن عليهم ويقبح ما يصنعون).
فَسَلامٌ عليك يا شهيد ، وابن الشهيد ، ويا مظلوم ، وابن المظلوم ، ولعن الله قاتليك وظالميك .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *